إلي اين تتجه الرمال السياسية المتحركة في السودان؟

.
تقرير /نجدة بشارة
ناس برس
أصبحت خريطة السودان السياسية أشبه بالرمال المتحركة. الثابت اليوم متغير غداً.. فرقاء الأمس أصدقاء اليوم ، ومتحالفي اليوم .. قد تباعد بينهم فجوة في وجهات النظر ..
وفي المقابل بات من الصعب العثور على طريق او حلول تقود للخروج من الازمة المضطربة ، او ايجاد ضوء في اخر النفق للخروج من حالة الإنسداد
بينما عجز المراقبين والمحللين من وضع خريطة واضحة او موطئ قدم لتبيان أي اتجاه تسير العملية السياسية في السودان، والي اين سترسوا رمالها المتحركة ؟
شد وجذب
سؤال يتجدد بإلحاح مع استمرار وتصاعد الازمة التي دخلت شهرها العاشر، وتباعد وتفرق اتجاهات اطرافها “المختلفة والمتعددة”.
– الصراع والذي بدأ منذ الايام الاولي لسقوط النظام البائد، ترك جروحا وندوبا لا يستطع طرف نكرانها، ومهدت البيئة الجديدة لاشكال من الصراعات لا مجال لتجاهلها، أخرها النزاعات المجتمعية في دارفور والنيل الأزرق وكردفان.
– كل الحلول التي يتم طرحها تصطدم بجدار من الرفض، العملية السياسية الثلاثية والتى طرحت من قبل الامم المتحدة والاتحاد الافريقية والايقاد، يبدو انها لفظت انفاسها الاخيرة ، بل وتم طمرها باطن الارض.
، اعلان الجيش ممثلاً في قائدة رئيس المجلس السيادي، الفريق اول ركن عبد الفتاح البرهان ، والدعم السريع ممثلا في قائده نائب رئيس المجلس السيادي محمد حمدان دقلو “حميدتي” بترك العملية السياسية للمدنيين للاتفاق قبل تسليمهم السلطة، لم يجد استجابه من قبل المعارضة.
او الشارع “الشاب” ممثلا في لجان المقاومة والشارع ما يزال يغلي كالبركان ولم تقف “مليونياته”
– الانقسام السياسي الحاد وسط المكونات السياسية بين مؤيد لقوي الحرية والتغيير ومناهض لها، وبين من يقف الي جانب المكون السياسي، وبين الاغلبية الصامتة ، التى تكابد من اجل قوت يومها.
– المجتمع المنقسم علي نفسه، جهويا وعرقيا، جراء خطاب الكراهية المنتشر والمتمدد.
– حركات الكفاح المسلح والتي هي الاخري لم تسلم من الانشقاق والتشظي والتباعد بين قادتها وقواعدها.
– المجتمع الدولي والاقليمي ” المحتار” والقانط
كل هذه المعطيات تجعل من السؤال الكبير … الي اين تتجه المألات في السودان؟ والي اين ينتهي بها المسير. ؟ ..كل هذه التسألات طرحتها ” الصيحة ” على سياسيين ، اكاديمين ، محللين ، ومراقبين ..
كف عفريت
شرح الكاتب والصحفي و ممثل شبكة الصحفيين السودانيين في تجمع المهنيين د. صلاح شعيب في حديثه ل( الصيحة ) الأزمة الراهنة وسيناريوهات أستمرار حالة الانسداد في الافق السياسي ، وقال أن إنقلاب الخامس والعشرون من أكتوبر اوجد صراع جديد داخل المكونات المدنية مع بعضها البعض وظهر الإنقسامات ، وخطابات التخوين ، وقال : ومع ذلك فان كل المبادرات الاقليمية والمحلية التي سعت لتوحيد هذه المكونات وصلت الى طريق مسدود ، لاسيما المبادرة الثلاثية ، التي قادتها الامم المتحدة ، الاتحاد الافريقي ، الايقاد ، وزاد احسب انها وصلت الى طريق مسدود بعد إنسحاب الجيش منها .
واوضح ان الواقع الحالي يبين ان هنالك تشظي كبير ، وتدهور اقتصادي وسياسي ، وعدم وجود خطط او استراتجية للعلاقات الدولية في الوقت الراهن .
واوضح شعيب ان مصير السودان اصبح في ( كف عفريت ) ، المشهد ضبابي وغير واضح بالنسبة للمحللين والمختصون في الجانب السياسي ، واضاف الواضح ان المستقبل في السودان مفتوح على كل المألات والاحتمالات.
امتحان عسير
راء المحلل السياسي والاكاديمي بروف عبده مختار حسب وجهة نظره ان حل الازمة الحالية في يد المكونات المدنية رغم ان العساكر هم من ادخل البلاد في مستنقع الرمال السياسية المتحركة عبر الانقلاب على الحكومة الانتقالية ، وكل ذلك نتاج صراع المدنيين حول المحاصصات
وقال ل( الصيحة ) : لذلك يجب يعي المدنيين الدرس وان يسعوا لتكوين حكومة كفاءت مستقلة تسع الجميع حتى تؤسس لحكومة انتقالية قوية
وارجع الاستقطابات الاثنية ، والانقسامات المجتمعية الحادة ، واستشراء الصراع القبلي يعود الى غياب السلطة السياسية متماسكة ومستقرة
واعتبر ان الحل لتجاوز هذه الازمة ان يبتعد السياسيين من الجهاز التنفيذي القلب النابض للدولة وان تكون الحكومة من الكفاءات ، لان الدولة حاليا تسير بلا حكومة فعلية ، ومايحدث الان اعراض مرضية لهذه الصراعات وقد تتحول الى اعراض مزمنة يصعب علاجها اذا لم يتم تداركها .
ويرى مختار ان الكرة الان في ملعب المدنيين اما ان يستغلوا التوقيت والظرف ويشرعوا في تشكيل حكومة عاجلة
واعتبر ان قرارات البرهان والتي اكد عليها حميدتي وضعت المكونات المدنية والقوى السياسية امام تحدى كبير وامتحان عسير.
لصالح من ينتهي الوقت ؟
في السياق تنباء بروف عبده مختار بان الرمال المتحركة تذهب تجاه مايخطط له البرهان الان والذي يعمل على تحضير الملعب لخطوة أشبه بما حدث في مصر على يد السيسي .
وزاد الفريق البرهان يجهِّـز الآن لتلك المرحلة لترسيخ قبضته على السلطة في الدولة، وتأتي تلك الخطوة بمساعدة مستشاريه .
وقال اآن يجري البحث عن مبرر قوي لتلك الخطوة. هذا المبرر هو أن يفشل المدنيون في الوصول لاتفاق.. فيما تعد السياسية طبيعتها الاختلاف والتشاكس وعدم الاتفاق بسهولة. أي من غير الممكن أن تتفق قوى الثورة في شهر واحد.
هذا نُـذُر مواجهة لابد من التعامل معها باتفاق سريع بين القوى المدنية المناهضة للإنقلاب.
مفتاح الحـل هو الابتعاد عن المحاصصة في تشكيل مجلس الوزراء. يجب أن يتم الاتفاق على شخصية غير حزبية لرئاسة الحكومة.. ثم تشكيل حكومة (جهاز تنفيذي/مجلس وزراء) من كفاءات مستقلة.
هذه الخطوة سوف تسحب البساط من الجيش وتلغي المبرر الذي ينتظره البرهان وأنصار النظام السابق، وسوف تشكل أول خطوة في توحيد الإرادة السياسية لقوى الثورة؛ وتمهد الطريق لتشكيل مجلس تشريعي والمفوضيات والمؤسسات الولائية والمحلية.
الشخصيات غير الحزبية/المستقلة، ذات الكفاءة، متوفرة جداً ضمن نخب الأغلبية الصامتة. أمنحوها فرصة من أجل الثورة ومن أجل استقرار الوطن. أما لو استمرت هذه الأحزاب في البحث عن كفاءات من (داخل حيشانها) بالمحاصصة فإن الوقت سوف ينتهي لصالح الانقلابيين
على الأرجح السيناريو المرسوم لاجهاض الثورة يتمثل في تشكيل تحالف يضم:
مجموعة البرهان (وأنصاره من العسكريين وبعض الساسة الانتهازيين). و الدعم السريع.
، أنصار النظام السابق، وعلى رأسهم الحركة الإسلامية التي شكلت ما يُعرف بـ “التيار الإسلامي العريض” وهذا يقوم على حجة (الإسلام في خطر) والثورة يقودها اليسار … وغيرها من المزاعم التي تخطط لتمتطيها الحركة الإسلامية للعودة إلى السلطة.!!
ثم الحركات المسلحة: وهذه فيئتان: الأولى حركات سوف تلتحق بالتحالف مباشرة لأن بعضها أصلا متحالف مع الحركة الإسلامية (مثل حركة جبريل) وبعضها متحالف مع المؤتمر الوطني (مثل حركة مناوي)؛ أما الفئة الثانية من الحركات فهي سوف يتم استقطابها بالإغراء بإشراكها في السلطة و (الثروة).
(5) المجموعة الأخرى من التحالف هو القوى الأجنبية التي سوف تدعم هذا التحالف دعما كبيراً، وهي أيضا أنواع مختلفة: قوى خارجية لا ترغب في وجود ديمقراطية في السودان وسوف تسعى لتعطيل مسارها؛ وقوى أخرى تدعم استمرار الوضع الراهن لأنه يحقق لها مصالحها .
خلال الإدعاء بأن الثورة يقودها اليسار والشيوعيون والعلمانيون لتشويه صورة الثورة لدى البسطاء للتمهيد لاستقطاب أصواتهم للتحالف المشار إليه إذا ما وصلت البلاد إلى الانتخابات …
وحذر المدنيون ان يسارعوا لتشكيل حكومتكم من شخصيات مستقلة وإلا سوف لن تجدوا ثورة !!
الإنزلاق الى الحرب
وكان محمد الفكي سليمان عضو مجلس السيادة السابق قد حذر من أن الحالة التي يعيشها السودان قد تؤدي الى انزلاق البلاد نحو الحرب.
وقال في تصريحات اعلامية ان الشعب السوداني امام امتحان حقيقي أكثر من أي وقت مضى، وأن حالة التشظي على مستوى القوى المدنية والعسكرية وخطابات التعبئة المشحونة بالكراهية هي وصفة الحرب الجاهزة.
وأوضح في حديثه أن الشعب السوداني من أكثر الشعوب التي عاشت حالة حروب وخبرتها وذاق المواطن مرارات الحرب، حتى في المناطق التي لم تتأثر مباشرة بالحرب.
ودعا محمد الفكي سليمان جميع القوى المدنية صاحبة المصلحة في الثورة للاصطفاف وفق أجندة واضحة. وأشار إلى أن اتفاق القوى المدنية لا يمكن أن يشمل جميع القضايا، لأن الاختلاف من طبع البشر، ومصالح الناس تتقاطع في لحظة من اللحظات.
وأضاف إنه إذا حاولنا أن نحمل الفترة ا لانتقالية أكثر مما تحتمل فسوف لن نصل لاتفاق. ما يجب أن يتفق الجميع عليه هي الاجندة الأساسية والرئيسية المتمثلة في حكومة تمثل قوى الثورة المكونة من لجان المقاومة والحرية والتغيير، والحركات المسلحة الموقعة وغير الموقعة على اتفاق جوبا والتي تؤمن بأهداف الثورة والتغيير، إضافة للقوى المدنية المختلفة.
وأشار إلى أن الصراع بين هذه القوى يحدث عند توزيع المناصب وتقدير الاوزان لمختلف القوى والخلافات التي يمكن ان تنشأ بسبب ذلك.
وأكد انه من الأفضل أن نوكل المرحلة الانتقالية لحكومة كفاءات مستقلة يتفق عليها الجميع من رئيس الوزراء والطاقم الوزاري وانتهاء بحكام الأقاليم.
سيناريوهات محتملة
توقع المحلل السياسي د. عبد الرحمن ابوخريس ل( الصيحة ) ان الرمال السياسية تذهب الى ثلاث سيناريوهات ، في حال لم تتوافق القوى السياسية وهي الفرضية الأقرب ، الخيار الاول وهو ان يشكل رئيس مجلس السيادة حكومة تكنوقراط ، لكن لابد ان يسبقها قرار بتغيير الطاقم العسكري الذي يجلس على كراسي السلطة حاليا ، واستبدالهم بقيادات عسكرية توافق عليها القوى الثورية ، واوضح بأن هذه الخطوة قد تزيد من فرص التعاون بين المدنيين والعسكريين ، لجهة ان المكونات السياسية رافضه للتعاون مع البرهان .
السيناريو الثاني ان تستمر الاحتجاجات والتظاهرات في الشارع ، وبالتالي تزداد الازمة استفحالا، وربما تقود هذه الاحتجاجات وانسداد الافق الى الفوض والاضطراب الامن ، وزاد : وخير مثال مايحدث من استشراء الصراعات القبيلية في الولايات والضائقة المعيشية ،
وقال ام السيناريو الثالث هو خيار الانتخابات ، ويمكن ان تذهب القوى السياسية الى صناديق الاقتراع لاختيار من يمثلهم ، واضاف ارى ان : الانتخابات الرئاسية هي المتاحة و الامكن في الوقت الحالي ، على ان يترك خيار الانتخابات البرلمانية الى حيث استقرار البيئة السياسية.
الذهاب الى صناديق الاقتراع
وتوقع أبوخريس ، في حل فشل القوى المدنية في التوافق فان الوضع قد يمهد الطريق لإجراء انتخابات قريبة حال فشلت تلك القوى في الوصول لتوافق يفضي إلى تشكيل حكومة مدنية.
ولفت ابوخريس أيضًا إلى ان انقسام القوى السياسية ، إلى ثلاثة أطراف هي “قوي الحرية والتغيير المجلس المركزي، وهؤلاء يرغبون في السلطة من دون انتخابات أي حكم عبر فترة انتقالية غير محدد تاريخ أجلها”.
ويضيف أن الثاني هو الحزب الشيوعي وحلفاؤه “وهؤلاء يرغبون في سلطة ثورية تتيح لهم إعادة هيكلة الخدمتين المدنية والعسكرية بما يكفل لهم السيطرة على السلطة “.
وتابع “القسم الثالث يضم الأحزاب التقليدية وهؤلاء هم من يرحب بالانتخابات في أسرع وقت”.
لذلك اصبح “التوافق شبه مستحيل بين القوي السياسية … وهذا يعني أن الجيش في حالة فشل المدنيين سينال رضا دولي وإقليمي
وسيذهب الى تأسيس السلطة التنفيذية والسيادية”.
حكومة تصريف اعمال
في المقابل تنباء خبراء ومحللين ان تقود الرمال السياسية المتحركة الى تكوين حكومة تصريف اعمال خلال الاسبوعين القادمين ، في حال فشل المدنيين في التوافق بينهما وان الملعب سيعود للمكون العسكري في ادارة السلطة ، وفوق هذا وذاك ؛ تظل علامات الاستفهام تتسع ؟ والضبابية تخيم على المشهد السياسي الى حين إنجلاء الغيمة ، وعندها اما ان يتبلوا المشهد السياسي الى توافق وتكوين حكومة مدنية تقود الى الاستقرار الكامل ، او تنزلق الاوضاع الى تأزم الخلافات واحكام الازمة التي قد تدفع بمزيد من الاضطرابات وزعزعة الاستقرار